كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}.
يذكر الصبر إلى جوار الشكر.. الصبر في البأساء. والشكر في النعماء. وفي قصة سبأ آيات لهؤلاء وهؤلاء.
هذا فهم في الآية. وهناك فهم آخر. فقد يكون المقصود بقوله: {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة}. أي قرى غالبة ذات سلطان. بينما تحول سبأ إلى قوم فقراء، حياتهم صحراوية جافة. وكثرت أسفارهم وانتقالاتهم وراء المراعي ومواضع الماء. فلم يصبروا على الابتلاء. وقالوا: {ربنا باعد بين أسفارنا}. أي قلل من أسفارنا فقد تعبنا. ولم يصحبوا هذا الدعاء باستجابة وإنابة لله تستحق استجابته لدعائهم. وكانوا قد بطروا النعمة، ولم يصبروا للمحنة. ففعل الله بهم ما فعل، ومزقهم كل ممزق؛ فأصبحوا أثرًا بعد عين، وحديثًا يروى وقصة تحكى.. ويكون التعقيب: {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}. مناسبًا لقلة شكرهم على النعمة، وقلة صبرهم على المحنة.. وهو وجه رأيته في الآية والله أعلم بمراده.
{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22)}.
إنها جولة قصيرة حول قضية الشرك والتوحيد. ولكنها جولة تطوّف بالقلب البشري في مجال الوجود كله. ظاهره وخافيه. حاضره وغيبه. سمائه وأرضه. دنياه وآخرته. وتقف به مواقف مرهوبة ترجف فيها الأوصال؛ ويغشاها الذهول من الجلال. كما تقف به أمام رزقه وكسبه، وحسابه وجزائه. وفي زحمة التجمع والاختلاط، وفي موقف الفصل والعزل والتميز والانفراد.. كل أولئك في إيقاعات قوية، وفواصل متلاحقة، وضربات كأنها المطارق: قل.. قل.. قل.. كل قولة منها تدمغ بالحجة، وتصدع بالبرهان في قوة وسلطان.
{قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير}.
إنه التحدي في مجال السماوات والأرض على الإطلاق:
{قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله}.
ادعوهم. فليأتوا. وليظهروا. وليقولوا أو لتقولوا أنتم ماذا يملكون من شيء في السماوات أو في الأرض جل أو هان؟
{لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض}.
ولا سبيل لأن يدعوا ملكية شيء في السماوات أو في الأرض. فالمالك لشيء يتصرف فيه وفق مشيئته. فماذا يملك أولئك المزعومون من دون الله؟ وفي أي شيء يتصرفون تصرف المالك في هذا الكون العريض؟
لا يملكون في السماوات والأرض مثقال ذرة ملكية خالصة، ولا على سبيل المشاركة:
{وما لهم فيهما من شرك}.
والله سبحانه لا يستعين بهم في شيء. فما هو في حاجة إلى معين:
{وما له منهم من ظهير}.
ويظهر أن الآية هنا تشير إلى نوع خاص من الشركاء المزعومين. وهم الملائكة الذين كانت العرب تدعوهم بنات الله؛ وتزعم لهم شفاعة عند الله. ولعلهم ممن قالوا عنهم: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}. ومن ثم نفى شفاعتهم لهم في الآية التالية. وذلك في مشهد تتفزع له الأوصال في حضرة ذي الجلال:
{ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له}.
فالشفاعة مرهونة بإذن الله. والله لا يأذن في الشفاعة في غير المؤمنين به المستحقين لرحمته. فأما الذين يشركون به فليسوا أهلًا لأن يأذن بالشفاعة فيهم، لا للملائكة ولا لغيرهم من المأذونين بالشفاعة منذ الابتداء!
ثم صور المشهد الذي تقع فيه الشفاعة؛ وهو مشهد مذهل مرهوب:
{حتى إذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير}.
إنه مشهد في اليوم العصيب. يوم يقف الناس، وينتظر الشفعاء والمشفوع فيهم أن يتأذن ذو الجلال في عليائه بالشفاعة لمن ينالون هذا المقام. ويطول الانتظار. ويطول التوقع. وتعنو الوجوه. وتسكن الأصوات. وتخشع القلوب في انتظار الإذن من ذي الجلال والإكرام.
ثم تصدر الكلمة الجليلة الرهيبة، فتنتاب الرهبة الشافعين والمشفوعين لهم.
ويتوقف إدراكهم عن الإدراك.
{حتى إذا فزّع عن قلوبهم}. وكشف الفزع الذي أصابهم، وأفاقوا من الروعة التي غمرتهم فأذهلتهم.
{قالوا ماذا قال ربكم} يقولها بعضهم لبعض. لعل منهم من يكون قد تماسك حتى وعى.
{قالوا الحق}. ولعلهم الملائكة المقربون هم الذين يجيبون بهذه الكلمة المجملة الجامعة: {قالوا الحق}. قال ربكم: الحق. الحق الكلي. الحق الأزلي. الحق اللدني. فكل قوله الحق.
{وهو العلي الكبير}. وصف في المقام الذي يتمثل فيه العلو والكبر للإدراك من قري.
وهذه الإجابة المجملة تشي بالروعة الغامرة، التي لا ينطق فيها إلا بالكلمة الواحدة!
فهذا هو موقف الشفاعة المرهوب. وهذه صورة الملائكة فيه بين يدي ربهم. فهل بعد هذا المشهد يملك أحد أن يزعم أنهم شركاء لله، شفعاء في من يشرك بالله؟!
ذلك هو الإيقاع الأول، في ذلك المشهد الخاشع الواجف المرهوب العسير.. ويليه الإيقاع الثاني عن الرزق الذي يستمتعون به، ويغفلون عن مصدره، الدال على وحدة الخالق الرازق. الباسط القابض، الذي ليس له شريك:
{قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين}.
والرزق مسألة واقعة في حياتهم. رزق السماء من مطر وحرارة وضوء ونور.. ذلك فيما كان يعرفه المخاطبون ووراءه كثير من الأصناف والألوان تتكشف آنًا بعد آن.. ورزق الأرض من نبات وحيوان وعيون ماء وزيوت ومعادن وكنوز.. وغيرها مما يعرفه القدامى ويتكشف غيره على مدار الزما.
{قل من يرزقكم من السماوات والأرض}.
{قل الله}.
فما يملكون أن يماروا في هذا ولا أن يدعوا سواه.
قل: الله. ثم كل أمرهم وأمرك إلى الله. فأحد كما لابد مهتد وأحد كما لابد ضال. ولا يمكن أن تكون أنت وهم على طريق واحد من هدى أو من ضلال:
{وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين}.
وهذه غاية النصفة والاعتدال والأدب في الجدال. أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمشركين: إن أحدنا لابد أن يكون على هدى، والآخر لابد أن يكون على ضلال. ثم يدع تحديد المهتدي منهما والضال. ليثير التدبر والتفكر في هدوء لا تغشى عليه العزة بالإثم، والرغبة في الجدال والمحال! فإنما هو هاد ومعلم، يبتغي هداهم وإرشادهم لا إذلالهم وإفحامهم، لمجرد الإذلال والإفحام!
الجدل على هذا النحو المهذب الموحي أقرب إلى لمس قلوب المستكبرين المعاندين المتطاولين بالجاه والمقام، المستكبرين على الإذعان والاستسلام، وأجدر بأن يثير التدبر الهادئ والاقتناع العميق. وهو نموذج من أدب الجدل ينبغي تدبره من الدعا.
ومنه كذلك الإيقاع الثالث، الذي يقف كل قلب أمام عمله وتبعته، في أدب كذلك وقصد وإنصاف:
{قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون}.
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (29)}.
هذه الجولة تتناول موقف الذين كفروا مما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف المترفين من كل رسالة، وهم الذين تغرهم أموالهم وأولادهم، وما يجدون من أعراض هذه الدنيا في أيديهم، فيحسبونها دليلًا على اختيارهم وتفضيلهم؛ ويحسبون أنها مانعتهم من العذاب في الدنيا والآخرة. ومن ثم يعرض عليهم مشاهدهم في الآخرة، كأنها واقعة، ليروا إن كان شيء من ذلك نافعًا لهم أو واقيًا. وفي هذه المشاهد يتضح كذلك أنه لا الملائكة ولا الجن الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا، ويستعينونهم يملكون لهم في الآخرة شيئًا.. وفي خلال الجدل يوضح القرآن حقيقة القيم التي لها ثقل في ميزان الله؛ فتنكشف القيم الزائفة التي يعتزون بها في الحياة؛ ويتقرر أن بسط الرزق وقبضه أمران يجريان وفق إرادة الله، وليسا دليلًا على رضى أو غضب ولا على قربى أو بعد. إنما ذلك ابتلا.
{وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون}.
يجيء هذا البيان بعد الجولة الماضية، وما فيها من تقرير فردية التبعة؛ وأنه ليس بين أصحاب الحق وأصحاب الباطل إلا الدعوة والبيان، وأمرهم بعد ذلك إلى الله.
ويتبعه هنا بيان وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم وجهلهم بحقيقتها؛ واستعجالهم له بما يعدهم ويوعدهم من الجزاء؛ وتقرير أن ذلك موكول إلى موعده المقدور له في غيب الله:
{وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا}.
هذه هي حدود الرسالة العامة للناس جميعًا.. التبشير والإنذار. وعند هذا الحد تنتهي؛ أما تحقيق هذا التبشير وهذا الإنذار فهو من أمر الله:
{ولكن أكثر الناس لا يعلمون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين}.
وهذا السؤال يوحي بجهلهم لوظيفة الرسول؛ وعدم إدراكهم لحدود الرسالة. والقرآن حريص على تجريد عقيدة التوحيد. فما محمد إلا رسول محدد الوظيفة. وهو قائم في حدود وظيفته لا يتخطاها. والله هو صاحب الأمر. هو الذي أرسله، وهو الذي حدد له عمله؛ وليس من عمله أن يتولى ولا حتى أن يعلم تحقيق الوعد والوعيد.. ذلك موكول إلى ربه، وهو يعرف حدوده. فلا يسأل مجرد سؤال عن شيء لم يطلعه عليه ربه، ولم يكل إليه أمره. وربه يكلفه أن يرد عليهم ردًا معينًا فيقوم به:
{قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون}.
وكل ميعاد يجيء في أجله الذي قدره الله له. لا يستأخر لرغبة أحد، ولا يستقدم لرجاء أحد. وليس شيء من هذا عبثًا ولا مصادفة. فكل شيء مخلوق بقدر.
وكل أمر متصل بالآخر. وقدر الله يرتب الأحداث والمواعيد والآجال وفق حكمته المستورة التي لا يدركها أحد من عباده إلا بقدر ما يكشف الله له.
والاستعجال بالوعد والوعيد دليل على عدم إدراك هذه الحقيقة الكلية. ومن ثم فإن أكثر الناس لا يعلمون. وعدم العلم يقودهم إلى السؤال والاستعجال.
{وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه}.
فهو العناد والإصرار ابتداء على رفض الهدى في كل مصادره. لا القرآن، ولا الكتب التي سبقته، والتي تدل على صدقه. فلا هذا ولا ذاك هم مستعدون للإيمان به لا اليوم ولا الغد. ومعنى هذا أنهم يصرون على الكفر، ويجزمون عن قصد بأنهم لن ينظروا في دلائل الهدى كائنة ما كانت. فهو العمد إذن وسبق الإصرار!
عندئذ يجبههم بمشهدهم يوم القيامة، وفيه جزاء هذا الإصرار:
{ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن تكفر بالله ونجعل له أندادًا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون}.
ذلك كان قولهم في الدنيا: {لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه}. فلو ترى قولهم في موقف آخر. لو ترى هؤلاء الظالمين وهم {موقوفون} على غير إرادة منهم ولا اختيار؛ إنما هم مذنبون بالوقوف في انتظار الجزاء {عند ربهم}. ربهم الذي يجزمون بأنهم لن يؤمنوا بقوله وكتبه. ثم هاهم أولاء موقوفون عنده! لو ترى يومئذ لرأيت هؤلاء الظالمين يلوم بعضهم بعضًا، ويؤنب بعضهم بعضًا، ويلقي بعضهم تبعة ما هم فيه على بعض: {يرجع بعضهم إلى بعض القول}. فماذا يرجعون من القول؟
{يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين}.
فيلقون على الذين استكبروا تبعة الوقفة المرهوبة المهينة، وما يتوقعون بعدها من البلاء! يقولون لهم هذه القولة الجاهرة اليوم؛ ولم يكونوا في الدنيا بقادرين على مواجهتهم هذه المواجهة. كان يمنعهم الذل والضعف والاستسلام، وبيع الحرية التي وهبها الله لهم، والكرامة التي منحها إياهم، والإدراك الذي أنعم به عليهم. أما اليوم وقد سقطت القيم الزائفة، وواجهوا العذاب الأليم، فهم يقولونها غير خائفين ولا مبقين! {لولا أنتم لكنا مؤمنين}!
ويضيق الذين استكبروا بالذين استضعفوا. فهم في البلاء سواء. وهؤلاء الضعفاء يريدون أن يحملوهم تبعة الإغواء الذي صار بهم إلى هذا البلاء! وعندئذ يردون عليهم باستنكار، ويجبهونهم بالسب الغليظ:
{قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين}!
فهو التخلي عن التبعة، والإقرار بالهدى، وقد كانوا في الدنيا لا يقيمون وزنًا للمستضعفين ولا يأخذون منهم رأيًا، ولا يعتبرون لهم وجودًا، ولا يقبلون منهم مخالفة ولا مناقشة! أما اليوم وأمام العذاب فهم يسألونهم في إنكار: {أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم}.
{بل كنتم مجرمين}. من ذات أنفسكم، لا تهتدون، لأنكم مجرمون!
ولو كانوا في الدنيا لقبع المستضعفون لا ينبسون ببنت شفة. ولكنهم في الآخرة حيث تسقط الهالات الكاذبة والقيم الزائفة؛ وتتفتح العيون المغلقة وتظهر الحقائق المستورة. ومن ثم لا يسكت المستضعفون ولا يخنعون، بل يجبهون المستكبرين بمكرهم الذي لم يكن يفتر نهارًا ولا ليلًا للصد عن الهدى؛ وللتمكين للباطل، ولتلبيس الحق، وللأمر بالمنكر، ولاستخدام النفوذ والسلطان في التضليل والإغواء:
{وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادًا}.
ثم يدرك هؤلاء وهؤلاء أن هذا الحوار البائس لا ينفع هؤلاء ولا هؤلاء، ولا ينجي المستكبرين ولا المستضعفين. فلكل جريمته وإثمه. المستكبرون عليهم وزرهم، وعليهم تبعة إضلال الآخرين وإغوائهم. والمستضعفون عليهم وزرهم، فهم مسئولون عن اتباعهم للطغاة، لا يعفيهم أنهم كانوا مستضعفين. لقد كرمهم الله بالإدراك والحرية، فعطلوا الإدراك وباعوا الحرية؛ ورضوا لأنفسهم أن يكونوا ذيولًا؛ وقبلوا لأنفسهم أن يكونوا مستذلين. فاستحقوا العذاب جميعًا؛ وأصابهم الكمد والحسرة وهم يرون العذاب حاضرًا لهم مهيأ:
{وأسروا الندامة لما رأوا العذاب}.
وهي حالة الكمد الذي يدفن الكلمات في الصدور، فلا تفوه بها الألسنة، ولا تتحرك بها الشفاه.
ثم أخذهم العذاب المهين الغليظ الشديد:
{وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا}.
ثم يلتفت السياق يحدث عنهم وهم مسحوبون في الأغلال، مهملًا خطابهم إلى خطاب المتفرجين!
{هل يجزون إلا ما كانوا يعملون}.